دوى صوت الترام سريعاً … هذا الترام الثالث الذي يمر امامة حتى الان . لديه موعد مع زملاء العمل الساعة الرابعة عصرًا في احدى المقاهي .
ظل جالسًا يأبى ان يغادر المحطة … يفضل انتظار واحد اخر .. و ربما يجعله يمر قبل ان يركبة ليغادر قاصدًا وجهته . عندما يمر عبر تلك المحطة تأتي العديد من الذكريات لجلد عقله … يتذكر ضحكاتها و تلك النظرات التي كانت دائما تقتحم قلبه . ينتظر ان يراها صدفة ، ان يطمئن عليها … هل لازالت ترتدي تلك الإسورة التي اعطاها لها من قبل ، لو قابلها هل ستكون تلك صدفة ؟ ام هو من يحاول خلق الصدفة من أجل لقياها ، فتذوب كل الشروط لجعلها صدفة حقيقية ..
ظل جالساً يعبث بلحيته كما اعتاد ان يفعل … يدعوا الله في داخلة ان يستجيب له تلك المرة . لا يعلم ما هو السيناريو القادم بعد اللقاء ، هل ستكون المصافحة … ام الهروب من الألم ، هل عليه ان يبدأ تلك المرة ..؟ ام ان ينتظر المبادرة منها كعادته …
هل سيراها تلك المرة ؟
لقد اعتادا الجلوس على تلك المحطة و تبادل الحديث ، كان أحيانًا يشتري لها المشروب الذي تحبه ، هل لازالت تشرب هذا المزيج الغريب من الاناناس مع الرمان ؟
ظل جالساً يتظاهر بانه يتصفح هاتفه ، بينما لا يوجد في عقلة سوا صورة لابتسامتها ..
هو يعلم انها تستقل المقطورة كل يوم ثلاثاء في هذا المعاد للتسوق او للتجوال في شوارع الاسكندرية القديمة . ربما تصطحب معها إحدى الصديقات و ربما تكون بمفردها .. لكن ما يهمها دائما ان تستمتع فقط .. ان تستمتع بكل لحظة تحياها.
كان دائمًا يتمنى ان يصير جزءًا من تلك الحياة المليئة بكل شيء يحبة ،
و يختار عادةً الحياة التي يحثها عقله على اختيارها … اختار كل الاماكن التي لا تنتمي الى كيانه …
المكان الوحيد الذي كان ينتمي اليه كانت هي … لقد كان نمرودًا فقط و عاند روحه ، فتاهت الروح بعد الفراق .
دوى صوت الترام من جديد ، يبدو ان تلك هي الترام الخامسة … لقد تاخر عن ميعاده نصف ساعة تقريبًا .
ركب المقطورة في ازدراء من هذا القدر الذي ينتقم منه و يعانده . لم يبقى شيء ليفعله حتى يستطيع ان يراها ..
التدبير الرباني من يخلق له صدفة اللقاء … على من يحاول ان يخدع ؟ على نفسه ؟ روحه .. ام تدابير خالقه ؟
بينما تستعد المقطورة لتتحرك ، اخترق ضوء عيناها قلبه … لقد كانت واقفة بعيداً ، مختبئة خلف الاشجار تنظر اليه …
منذ متى كانت واقفة ؟ كانت تراقبة منذ البداية …
تنتظر ان يركب … ان يرحل كما رحل من قبل …
اخيراً استطاع أن يلتقي بها .. لبضع ثواني .. اضاع الفرصة كما كان يضيعها دائما.. تأتي له بعد فوات الأوان … لو كان التفت حوله لحصل على بضع ثوان اكثر .
اقتربت من المحطة و هي تنظر اليه جيدًا ، يديها خاليه من الأساور ، فقط ممسكة بمشروب الاناناس بالرمان . كان يتسائل لماذا اختارت الاختباء … لماذا لم تخطوا تلك الخطوات إلا بعدما تاكدت من صعوده … هل لانها تعلم انه يخشى ان يتقدم .. ان يتكلم .. يخشى حتى المصافحة .. هل تسخر من عدم شجاعته على النظر في عيناها ؟ هل على تأخره الدائم في كل خطوة يخطوها في واقعه … ام ربما كانت تحاول الانتقام لكرامتها …
بينما تصارعت تلك الاسئلة في قلبه ، كان الترام قد تحرك قباله الوجهه المعاكسة لمراده .