تبخر المشهد و من الدخان الكثيف الخانق ظهر المضيف أمامه واقفا ساكنا. مرحبا بعودتك. أستشف من ملامحك أنها كانت رحلة موفقة– أى رحلة يا هذا، هناك… كان الفتى على وشك الموت. لكنه لم يمت
يا ملعون، ألا يوجد فى قلبك رحمة؟ وهجم فى وهلة ناحية المضيف، و أمسك بعنقه ليخنقه. لكنه لم يبد أية مقاومة، بل رمقه بنظرة إزدراء غير مبالية، و أشار إلى الساعة مجددا أنت تزيد الأجواء حرارة بغضبك هذا
–
اللعنة على الجو، اللعنة على الساعة، ما هذا الذى أريتنى إياه؟ من أنت؟ من هذا الفتى المغصوب؟ ما هذا المكان؟ الخنزير اللعين، سأقتله!
الألم … لقد شعرت به ينهش لحم جسدى!
هممممم، يبدو أنك قاسيت الأمرين هناك. رأسك مشتتة. دعنى أعينك على ترتيبها قليلاً ، أخبرتك قبل هذه الأسئلة التى لا طائل
منها هنا. السؤال الأول هو من أنت؟
ماذا تقول أيها الخرف؟! من أنا؟ أنا
غريب هو عقل المرء فى بحثه و سعيه، ملعون دائما بلعنة الشرطى الصياد، يبحث فى كل حدب و
صوب عن إجابة، عن طريق، عن وسيلة، أو حتى عن سؤال، و يأبى النظر أسفل أنفه
ها… أخبرنى، من؟
أنا… أنا لا أذكر – وصاح فجأة: ماذا فعلت بى، ثم اعتاله الخوف، و غام الجو مجددا ….. ها نحن ذا. – و بقلق فاضح: أنا الخنزير اللعين؟
أخبرنى عن آخر صورة ترن الجرس فى ذاكرتك.
تاه لوهلة حتى تذكر: ظلمة قاتمة، ظلمة باردة، كنت مرعوبا، رأيت أحدهم، كان عظيما ومن ثم غمرتنى راحة غامضة. لا شىء قبلها؟
! لا يوجد أى شىء ! تحرك المضيف إلى جانبه، و ربت على كتفه، و قال: دعنى أعيد لك الذاكرة، ثم فرقع بأصابعه
و بإيقاع طائش توالى األبيض و األسود حتى استقر الظالم، ثم أضاءت نجمــــــــــة بعيدة و أخذت فى االاقتراب حتى ارتسم شريط من الصور يمر أمامه فيبكى
و يغضب ويبتسم و يضحك، ويخاف وينهار. ويشعر بالخفة تارة
وبالثقل أخرى، بالهيمنة والعجز بالقوة
والضعف. فأصبح منهك القوى، غير قادر على مقاومة غرقه فى بحر الذكرى، فاستسلم لها كلية و تدفقت لسائر خلاياه فغمرتها.