المجلة الالكترونية للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري : تحرر بالكامل بايدي الطلبة من مختلف الكليات - وتحت اشراف قسم الأخبار الإلكترونية

قصص قصيرةمقالات

استراحة العاصمة الجزء الثانى

تبخر المشهد و من الدخان الكثيف الخانق ظهر المضيف أمامه واقفا ساكنا.  مرحبا بعودتك. أستشف من ملامحك أنها كانت رحلة موفقة– أى رحلة يا هذا، هناك… كان الفتى على وشك الموت. لكنه لم يمت
 يا ملعون، ألا يوجد فى قلبك رحمة؟ وهجم فى وهلة ناحية المضيف، و أمسك بعنقه ليخنقه. لكنه لم يبد أية مقاومة، بل رمقه بنظرة إزدراء غير مبالية، و أشار إلى الساعة مجددا أنت تزيد الأجواء حرارة بغضبك هذا

اللعنة على الجو، اللعنة على الساعة، ما هذا الذى أريتنى إياه؟ من أنت؟ من هذا الفتى المغصوب؟ ما هذا المكان؟ الخنزير اللعين، سأقتله!
الألم … لقد شعرت به ينهش لحم جسدى!
هممممم، يبدو أنك قاسيت الأمرين هناك. رأسك مشتتة. دعنى أعينك على ترتيبها قليلاً ، أخبرتك قبل هذه الأسئلة التى لا طائل
منها هنا. السؤال الأول هو من أنت؟
ماذا تقول أيها الخرف؟! من أنا؟ أنا
غريب هو عقل المرء فى بحثه و سعيه، ملعون دائما بلعنة الشرطى الصياد، يبحث فى كل حدب و
صوب عن إجابة، عن طريق، عن وسيلة، أو حتى عن سؤال، و يأبى النظر أسفل أنفه
ها… أخبرنى، من؟
 أنا… أنا لا أذكر – وصاح فجأة: ماذا فعلت بى، ثم اعتاله الخوف، و غام الجو مجددا ….. ها نحن ذا. – و بقلق فاضح: أنا الخنزير اللعين؟
أخبرنى عن آخر صورة ترن الجرس فى ذاكرتك.
 تاه لوهلة حتى تذكر: ظلمة قاتمة، ظلمة باردة، كنت مرعوبا، رأيت أحدهم، كان عظيما ومن ثم غمرتنى راحة غامضة. لا شىء قبلها؟
  ! لا يوجد أى شىء ! تحرك المضيف إلى جانبه، و ربت على كتفه، و قال: دعنى أعيد لك الذاكرة، ثم فرقع بأصابعه
و بإيقاع طائش توالى األبيض و األسود حتى استقر الظالم، ثم أضاءت نجمــــــــــة بعيدة و أخذت فى االاقتراب حتى ارتسم شريط من الصور يمر أمامه فيبكى 
و يغضب ويبتسم و يضحك، ويخاف وينهار. ويشعر بالخفة تارة 
وبالثقل أخرى، بالهيمنة  والعجز بالقوة 
والضعف. فأصبح منهك القوى، غير قادر على مقاومة غرقه فى بحر الذكرى، فاستسلم لها كلية و تدفقت لسائر خلاياه فغمرتها.

 

كان فتى محدود القدرات لوالد نطع حشاش و أم مغصوبة على أمرها بعرف المجتمع، أخرجه والده من المدرسة لما أتم السابعة. أخبره يومها عن سعادته الغامرة؛ إذ أصبح رجل يعين البيت على اقتناء الطعام. سلمه كيس مناديل و ذهب به للشاطئ الممتد من غربى المدينة إلى شرقيها و أمر الصبى أن يجمع عشرين جنيها من بيع المناديل و يعود بما تبقى منها ليكمل بها مهمته فى اليوم  التالى. علمه كيف يتصنع المسكنة ليلمع فى عين الزبون فيشترى منه. عرفه بكم يبيع وأخبره كيف يعود للمنزل لما ينتهى من مهمته
ثم أطلقه بين الماء و الرمال و الهواء ليصول و يجول. أشفق عليه البعض فاشتروا منه، و نهره آخرون، سبه البعض و كاد أن يضربه آخرون. حاول االقتراب من صغار البائعين، ففتكوا به و أخذوا ما جمعه من مال وبضاعته فتسول ليعود لوالده شاكيا باكيا يجر ذيول الخيبة و المهانة. فصاح فيه وبين فقدان البضاعة و ديون اللعب و قرش المزاج فقد الوالد صوابه، و انهال على ابنه بلكمات متفرقة تركته طريح الفراش ينحب طوال الليل حتى غفى من آالمه الخارجية و الداخلية. أرادت الأم أن تمنع عنه، لكنها خافت أن يصيبها ما يصيب ابنها فامتنعت
ورث قلة الحيلة من أمه؛ إذ زوجها أبوها غصبا ليخلص من همها فرضت بحالها. لقنتها أمها يوم عرسها أن تطيع زوجها اتقاء لشر الرجال و ما قد يصيبها منه، فامتثلت لكلامها. فرض عليها دق أبواب البيوت ورن أجراسها لتأخذ نصيبها من صدقات الفقراء بدل أن تعمل فى البيوت و حجته فى ذلك “ألا تكشف امرأتى على أغراب “. و فى يوم علم بعصيانها أوامره، لسعها علقة لم يأخذها حمار
فى مطلع فتابت
يتمادى الطاغى فى طغيانه بإذعان من ولى عليهم
كانت له أخت فى السادسة عشر من العمر تعانى من تأخر فى العقل، زوجها إلى شيخ فى الستين أو أقل باعها لقاء المال، 
 لما مات عادت إليه. فأسر إليه شيطانه بتلك الفكرة. رجل فى الستين، و رجل فى الثمانين و آخر فى الأربعين. و إذا لم يمت الزوج بعد عام، افتعل المشاكل و طلقها. و بين الموت
و الطلاق تعود إلى بيتها مؤقتا إلى أن يجد لها بيت آخر. و فى ذلك الوقت، كانت ترعى أخاها بدل أمه.
كان يتخلص من قلة حيلته تدريجيا قبل تلك الليلة لما كان فى العاشرة. و فى أثناء رحلته على شاطئ البحر يومها، التقى شابا هادىء الطباع عامله بلطف و أكرمه بما يفيض على ثمن الكيس . و قبل أن يذهب، لمح الخدوش على وجه الفتى، فسأله عن سببها، 
فأجابه “أبويا” . فأخذه من يده على قسم الشرطة، و قدم بالغا، حرره أحد العساكر  و طمأن الشاب و أخبره أن ينصرف. كان العسكرى يعرف والد الفتى، فأخبره ما جرى، فتصنع الوالد الندم و أخذ ابنه و غادرا و كأن شيئا لم يكن
و لما عادا للبيت، فعل به ما فعل. ليلتها اتخذ الفتى قراره بالهرب. لكنه لم يتمكن من ذلك حتى أتم الثامنة عشر. انضم لجماعة من عمال البناء، أخبرهم عن حاله و حال أبيه، وادعى موت والدته و أن مرضها لا شقاء له، فرأفوا بحاله، و سافر معهم. و بمضى الأيام حن قلبه على اخته قبل أمه، فاستأذن من صاحب المحجر ليطمئن على أهله. لما عاد، لم يقترب من البيت، بل تسائل بين الناس عما حل بذويه فوجد أباه على حاله وأمه الشحاذة على حالها، أما أخبار أخته فنزلت عليه بالصاعقة. الخنزير يؤجرها بالليلة. فارت دماؤه و لم يدر ما يفعل. شعر بالذنب و اللوم. لو لم يهرب ما حل بها ما قد حل.
وليلتها ترصده و هو عائد من الغرزة
 و انقض عليه و كتم أنفاسه قبل أن يصرخ، أخبره : أنا ابنك 
و غمد سكينا فى قلبه و هو ينظر إلى عينيه تنطفئان تدريجيا. ثم هرع إلى البيت القديم، ليأخذ أمه و أخته. و لما سألت الأم “و أبوك؟ 
” رد عليها ” لن يأتى بعد اليوم”. اصطحبها لصاحب المحجر، و أخبره بفعلته و قراره تسليم نفسه. حاول الرجل منعه و لم يستطع. وأصدرت المحكمة حكمها بتحويل أوراقه لفضيلة المفتى..
ها قد عدت مجددا. هل عادت ذاكرتك إليك؟ و ليتها ما عادت… هل عرفت من أنا؟   أنت أنا
 ليس بالتحديد، لكن لا بأس، انتظر لحظة سأنهى عملى – و خط بضعة بضعة خطات فى الورقة ثم لفها و أحكم إعلاقها هيا أخبرنى من أنت؟
أنا عقلك اللاواعى، مهمتى الأساسية تخزين ما يحدث معك على الدوام أعد هذا التقرير يوم موتك، و أرفعه لإدارة العاصمة لاتخاذ قرار بشأنك فيما يتعلق بحياتك الأخرى. نظر إلى الساعة مرة أخرى، كانت قد تبقت خمس ثوان. ففرقع بأصابعه مجددا.  ماذا مجددا؟
 لا تقلق… سقطت طاولة من السماء محملة بأفخم أنواع الطعام.  لعبة أخرى؟
 لا إنه عشاؤنا الأخير، هيا اجلس. جلس الرجل و أمامه المضيف على رأسى الطاولة، و بدآ فى الأكل ماذا سيحدث لو لم تسلم تقريرك؟
أطلق المضيف ضحكة صاخبة رجت أرجاء المكان ثم قال: قد تفلت من حكم إدارة العاصمة! 
لمعت عينى الرجل و بدأ يفكر… وعلى المقابر صاح أحدهم ” رحم قاتل أبيه، لقد كان شريفا
توقفت العصافير عن الغناء و انطفأت النجوم و بين دوافع األب و دوافع االبن، و قفت عدالة الرحمن المخلدة
Related posts
معلومات عامةمقالات

Book Review: A Good Girl’s Guide to Murder by Holly Jackson

تاريخ فنفنونمقالات

مسجد المرسي ابو العباس

معلومات عامةمقالات

Mastering Professional Legal Writing: Crafting Clear and Effective Laws and Documents

خواطردينيةمقالات

عيد الاضحى : تعرف على الفرق بين يوم النحر و يوم القر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *