التعصب يدمر نسيج المجتمع المصري
كرة القدم في مصر ليست مجرد لعبة بل هي فوهة بركان قابلة للإنفجار في أي لحظة و يبدو أن ظاهرة التعصب تنبع من حقيقة مفادها أن الأندية أصبحت أوطانـا عند جماهيرها وشعوبها واختصر البعض الوطن في رمز النادي الرياضي والفريق الكروي حيث أصبحت ردود الفعل للانتصارات والانكسارات عصبية ومَرضية و أصبحت الجماهير لا تعرف سوى لغة العنف والتعصب
كل جمهور يعتقد أن فريقه هو الممثل الوحيد للشرف والتاريخ والعراقة وكل هزيمة وخسارة تعني نهاية الكون بالنسبة لهم
أصبحت كرة القدم معركة حياة أو موت و أحياناً معركة للكبرياء و المبادئ
الأجواء العامة مشتعلة والمشاعر الشعبية ملتهبة وما بدا أنه كان مجرد تشجيع و مساندة و دعم للأندية تحول إلى عصبية وقبلية كروية قد تصل لحد الدموية

الزمالك يُصعد ضد الأهلي و الأهلي ينتفض على إهانة الزمالك والجماهير غاضبة و الإعلامي الشهير ينفعل على الهواء و يتحدي نادي القلعة الحمراء ويسعد جماهير المحاربين البيضاء و الصحافي المعروف يندد بتحركات القلعة البيضاء ويطالب بالتحقيق ويحوز دعم جماهير الشياطين الحمر و الأهلي فوق الجميع و الزمالك مدرسة لعب وفن وهندسة
كل هذا نراه و نشاهده يومياً ولا جديد يذكر ولا قديم يعاد و هكذا أصبحنا في دوامة التعصب الكروي في مصر و تحولت بذلك اللعبة الشعبية الترفيهية إلي تعصب و إحتقان يعصف بجميع أطياف و مستويات المجتمع
كرة القدم التي كانت رياضة هدفها تفريغ الطاقة السلبية لدي المشجعين و المتابعين أصبحت أكبر جاذب للشحن العصبي و النفسي و الكراهية و حتي قد تصل حد الدموية
أصبح كل متابع و مشجع للكرة المصرية خبيراً تحليلا و تحكيميا و تري الذي ليس لديه أي خلفية كروية يحدد كيف كان من اللازم أن يلعب الفريق و يقوم بالتعليق علي أحداث و مجريات خارج المباريات حتي ينال بذلك شرف أن يكون “مشجعاً عظيماً للنادي” ففي مصر لا تهتم الجماهير بال 90 دقيقة فقط بل حتي تصل إلي أخبار اللاعبين و المدربين أين ذهبوا … أين كانوا يحتفلون بالفوز ….. ماذا فعلت بهم الخسارة ….. ماذا يأكلون ….. ماذا حدث في عقودهم هل قاموا بالتجديد أو أنهم لا ينوون التجديد …. ماذا …. ماذا …. ماذا …… تتعدد الأسباب و الحقيقة مريرة جداً فقد إنشغلت الجماهير بالتآكل فيما بينها و قامت بالاهتمام بالأندية و التشجيع و التعصب الكروي فقط و جعلها في أولوية حياتها و تركت السعي وراء حياتها الأصلية الحقيقية …. السعي وراء نجاحاتها و طموحاتها التي هي أهم من كرة القدم بكثير

تندرج أسباب التعصب الكروي في النقاط التالية

الحب الشديد لنادي معين وفعل أي شيء من أجل ذلك النادي حتي ولو كان القيام بأفعال سيئة وغير أخلاقية
حدوث مواقف تاريخية قد تؤثر على العلاقات بين الأندية وجماهيرها
عدم تقبل الهزيمة والخسارة في المباريات و البطولات
إختفاء الروح الرياضية بين الجماهير وتدني مستوى الأخلاق لديهم
الإهتمام المبالغ فيه لكرة القدم كونها اللعبة الشعبية الأولى في معظم دول العالم
الجمهور الغاضب أو الصاخب الذي يشبه كتلة نار ملتهبة تبحث عن عشب سريع الاشتعال
إختفاء ثقافة الإحتراف وعدم تقبل انتقال لاعب من فريق إلى فريق منافس
الأخطاء التحكيمية التي تؤدي إلى إشتعال النار بين الجماهير
التصريحات الاستفزازية التي تصدر عن اللاعبين أو المدربين أو الإعلاميين أو حتي قادة ألتراس الأندية و صفحات الأندية ذاتها
الإنفراد بالرأى الشخصي وعدم الإستماع لآراء الآخرين و تقبلها

الهوية الكروية باتت بمثابة هوية وطنية
هويات ملايين من المصريين لا تحددها فقط الإسم والنوع وخانة الديانة المتجادل عليها فقط ، بل تحددها خانة غير مكتوبة لكنها أصبحت أمر واقع. “أهلاوي ولا زملكاوي؟” هو أحد الأسئلة الشائعة في بدايات التعارف والتقارب بين الأشخاص بل وأحياناً في مقابلات العمل والاختبارات الشفهية ولو من باب تخفيف الضغط و التوتر خلال الأحاديث
لكن التاريخ الحديث يخبر الجميع أن الإنتماء الكروي ثنائي القطب أحياناً يخرج عن السيطرة ويتحول من تشجيع و ولاء إلى شقاق و تعصب و قد يصل بنا إلي أسوء من ذلك
خلال الفترة الماضية شاهدنا الشحناء و الاتهامات و السب المتبادل بين المصريين بسبب التعصب الكروى و هذه الحالة تنذر بكارثة حال إستمرارها أو حتي تكرارها
إن علاج التعصب الكروى المؤلم الذى نشاهده اليوم هو إتباع الرقى و الإحترام المتبادل في التعامل فيما بيننا كمصريين لأن كرة القدم لعبة هدفها الأساسي هو المتعة و رسم البهجة والفرحة و السرور علي أوجه المشجعين و ليس التفرقة بينهم و جعلهم يكرهون و ينبذون بعضهم البعض لأننا في النهاية أبناء وطن واحد و هو وطننا الغالي مصر

في الفترة الحالية تحتاج الكرة المصرية تخفيف هذا الاحتقان و الغضب الذي سيطر علي الجماهير و ذلك من خلال زيارات متبادلة بين رؤساء ناديي الأهلي و الزمالك مثلما حدث خلال العام الماضي حيث زار الكابتن محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي نظيره كابتن حسين لبيب رئيس نادي الزمالك حيث أكدا خلال لقائهما أن علاقة الأهلي مع الزمالك طيبة جدًا ولها جذور كبيرة وكلها احترام متبادل حتى ولو حدث في بعض الفترات أمور غير طبيعية وغير مألوفة وعلاقة الناديين ليست وليدة اليوم ولكنها منذ تاريخ نشأة الناديين قبل أكثر من 100عام وهى علاقة تمثل العنوان الرئيسي للكرة المصرية
أيضا قاموا بدعوة جماهير الأهلي والزمالك وكل الجماهير المصرية والإعلام الرياضي أن تضع مصلحة مصر في المقدمة و المقام الأول وقبل كل شيء
وكانت زيارة كابتن محمود الخطيب الي نادي الزمالك تهدف الي ترسيخ قيم الروح الرياضية والتنافس الشريف مع الجميع و نبذ التعصب في إطار الحرص الكامل على الروابط الأخوية بين أطراف المنظومة الرياضية وجهود الدولة التي تهدف إلى المزيد من التكاتف لرفعة المستوى الرياضي لمصرنا الحبيبة
في النهاية أريد أن أقوم بتوضيح أن التعصب الكروي في مصر ظاهرة لا يمكن تجاهلها فهي أكثر من مجرد كرة قدم لأنها تحولت من لعبة ترفيهية إلي صراع مستمر بين الأجيال و بين الجماهير و أصبحت بمثابة الإحساس و الشعور بالهوية الوطنية بل أنها زادت عنها في الكثير من الأحيان

محمد مجدي محمد
الترم التاسع
كلية الهندسة – قسم ميكانيكا