المجلة الالكترونية للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري : تحرر بالكامل بايدي الطلبة من مختلف الكليات - وتحت اشراف قسم الأخبار الإلكترونية

أخبار اسكندريةتاريخ فنفنونمقالات

الشريعة الواحدة : بقلم الأستاذ الدكتور محمد شاكر عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق

جاء العصار لحديث لبلادنا بإرهاصات صحبتها تبعات الحملة الفرنسية على مصر ، وذلك الفيض الكبير من الإنبهار والإكبار وخاصة بعد فك طلاسم اللغة المصرية القديمة على يد العالم الفرنسى الأشهر

شامبليون : Champollion)

، وأصبح هذا الإنبهار وذلك الإكبار مدعاة لظهور علم المصريات

( Egyptology )

فى العديـد من دول العـالم المتحضر ، المعنيّة بتـاريخ الإنسان وحضاارته القديمه ، ومنذ بدايات القرن العشرين .. استشعر الإنسان المصري قدر بلاده المرموق منذ فجر التاريخ ، وبدا في الأفق ما يمكن أن .نسميه .. الرغبة فى إحياء قيمة الحضارة المصريه مثلما حدث فى عصر النهضة

الإيطالية(Renaissance)

عندما استهدفوا إحياء ) حضارة الإغريق ( .. أجدادهم في التاريخ ، وبدأ هذا الإحساس يتنامى في كل المستويات مستتاًر في ضمائر أبناء الشعب وجلياً في أفئدة الصفوة من المفكرين والمبدعين والعلماء ، لنرصد ما يبدو ـ قومية مصرية ـ ، وكانت تلك القومية تحمل بين طياتها رصيداً متنوعاً من ذلك الثّارء المعـرفي الـذي امتلكته مصر بقدرتهـا الفائقة على امتصـاص الرصيد المتنوع من التارث الإنسـاني ، بدءاً من الجذور العريقة للحضارة المصرية القديمة بعصورها المختلفه مرواًر بالبطـالمة ، وما تبع ذلك من الحضـارة الإغريقية الرومانية ، حتى كانت المسيحية المصرية ) القبطية ( ازداً روحياً أضاف إلى ذلك التارث قداًر معنوياً جليلاً ، حتى جاء الإسلام إلى مصر واستغرق مائتي عام حتى توافق مع الشخصية المصرية بتتابع ونموْ إلى أن تعربت مصر وأصبحت دولة تتحدّث العربية بطلاقة ، حتى من لم يعتنقوا الدين الإسلامي ، وكعادتها دائماً .. كانت مصر من خلال قدرتها الهائلة على الإمتصاص .. مالكة لسماحة التديّن بوسطية تحترم كل الأطياف والمذاهب والأديان السماوية واللاسماوية ، ولقد كان هذا الإحتارم سبيلاً إلى انتشار الدعوة بعد ذلك في معظم أرجاء العالم .. وظلت تلك الإستنارة منهجاً لروح الإسلام السمحة .. إلى أن ظهر النفط فى الجزيرة العربية.  
• • •
ويذكر أنه عندما نجحت الأسرة السعودية فى فرض سيطرتها على أارضي الحجاز ، كان هناك عالم جليل يُدعى محمد عبد الوهاب الذي أصبح له تأثير كبير على أبناء الجزيرة العربية حتى وأن آل سع ود تفاوضوا معه لكي يحصلوا على دعمه لسيادتهم على البلاد مقابل أن يطلقوا منهجه في مفهوم الدعوة الإسلامية ، والتي استقاها من مذهب الإمام الجليل أحمد بن حنبل ، ولقد كان التوافق منطقياً بين ) الحركة الوهابية ( كما سميت بعد ذلك وبين تطبيقها فى بلاد الحجاز باستلهام مباشر من المذهب الحنبلي ، والذي يحمل منهجاً ) من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الأري ، لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة ، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة ( وربما يليق هذا بموْطن به بيت الله الحارم ومرقد نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومنذ نهاية ستينات القرن العشرين وبداية السبعينات .. ونتيجة للإنهيار المخجل للإدارة المصرية عقب الإنتكاسة العسـكرية والسـياسية عام 1967 ، بدأ الإغتارب يتسلل إلى الإنسان المصري فى وطنه ، وأصبحت المملكة الع ربية السعودية جاذبةً للمصريين لكي يبدأوا غربة أكثر سوءاً من اغتاربهم في وطنهم ، خاصةً بعد أن تهاوت آمالهم وأحلامهم بعد اصطدامهم بفجيعة النكسة، وبدأت الوسطية التي تألق بها الإسلام المصري تنحرف رويداً رويداً أمام تسلل مستتر للحركة الوهابية ، من خلال المصريين الذين يعملون بالسعودية والذين تازيدت أعدادهم بشكل كبير ، وانتقلت ثقافة التدين هذه إلى أبنائهم وبناتهم .. لتشهد سبعينات القرن العشرين انتشااًر للحركة الوهابية ، والذي عبر عنها فضيلة الشيخ محمد الغازلي ) 1917 – 1996 ( ـ رحمه الله ـ بأن تلك الحركة تعبر عن ) فقه البادية ( والذي لا يتلاءم مع الإسلام المصري المستنير ، وقد ازداد انتشار تأثير الحركة الوهابية بعد أن أتاحت لها القيادة السياسية ـ آنذاك ـ المجال لكي تتواجد في معظم قطاعات الدولة ـ خاصة الجامعات ـ من خلال جماعات متعددة أعطت لنفسها مكانة كمرجعية دينية متشددة .. وأحياناً متطرفة في كل ما يتعلق بالعقائد والشارئع ، حتى تجاوزت بل وتطاولت على مكانة الأزهر الشريف المرجع المستنير للدين الإسـلامي على مستوى العـالم لأكثر من ألف   عام ، ولقد كانت القيادة السياسية تهدف من وارء دعم هذه التياارت وتلك الجماعات المتطرفة إلى تقويض الإتجاه اليساري في مصر ، والذي شكّل خطاًر على النظـام ، ولقد كانت القسـوة والتمرد سبيلاً ثابتاً فى نشر دعواهم ، ولمفارقات القدر أنهم قتلوا الرئيس محمد أنور السـادات في حـادثة المنصة الشهيرة في السـادس من أكتوبر 1981 ـ وهو الذى أتى بهم ليكونوا عوناً له في مواجهة الاتجاه اليساري آنذاك ـ.
وأذكر في تلك الفترة كنا نجلس في مكتب عميد الكلية الأستاذ الدكتور حامد عويس ) رحمه الله ( في اجتماع محدود ، وفوجئنا بدخول مجموعة من الطلاب يحملون زميل لهم مصاباً في أرسه وتسيل الدماء منه وهو فى حالة سيئة ، ومعهم بعض الطلاب من أعضـاء الجمـاعة الإسلامية يحـاولون استكمال القضاء عليه !! ، وعندما دخلوا جميعاً إلى مكتب العميد سألهم : إيه الحكاية؟ فأجاب مارفقوه..
أننا وجدنا هؤلاء الطلبة )وأشاروا إلى زملائهم من أعضاء الجماعة الإسلامية ( يضربونه بهذه الوحشية ، فاختطفناه من أيديهم وحضرنا إلى هنا لنطلب الإسعاف ونعرض الأمر على سيادتكم ، فوجه العميد سؤاله إلى أعضاء الجماعة الإسلاميه : ماذا فعل لكي تضربوه بهذه الطريقه ؟ ، فأجاب أحدهم : لقد عاكس أخت من الأخوات ، فوجّه العميد كلامه إلى الطالب المصاب : لماذا قمت بمعاكسة زميلتك ؟ ،فرد بصعوبة وقال: )أنا معكستهاش.. دانا كنت بقول لزميلي ـ أول مره أشوف واحدة لايق عليها الحجاب ، وبعد دقائق .. جاءني أحد العمال وقال لي : فيه ناس بتسأل عليك بره الكلية ، وخرجت لأرى من يسأل عني ؟ .. ثم فوجئت بأكثر من عشرة طلاب من هؤلاء .. يض ربوننى دون أن أفهم ما الذى حدث( !!، ثم وجه العميد سؤاله لطلاب الجماعة ـ ونحن جميعاً في حالة ذهول ـ ونتعجل وصول سيارة الإسعاف
.. حيث قال لهم : ما هو السند الدّيني الذي يبرر لكم القصاص من زميلكم بهذه الوحشية على ما قال
؟، فرد أحدهم :)فى أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ذهبت امأرة إلى السوق تبْتاع أشياءاً ، وعندما جلست أمام البائع جاء أحد المشركين وشبك طرف ثيابها فى ظهرها .. فلما وقفت انكشفت سوْءتها .. فقالت : وامحمداه فأتى الرسول بجيش وقتل منهم سبعين(!!، فسأله أحد الأساتذة ما وجه الشبه بين تلك الحادثة ـ إن كانت صحيحة ـ كما ذكرتها .. وبين ما فعله زميلكم وما فعلتموه به ؟ ، فأجاب: )من أرى منكم منكاًر فليقوّمه بيده .. فإن لم يستطع فبلسانه .. وإن لم يستطع فبقلبه .. وهذا أضعف الإيمان ( ونحن والحمد لله أقوياء وإيماننا قوي !!، ووجدت نفسي أوجه إليهم تساؤلاً وأنا أتابع هذا المشهد الحزين : أوليست هناك وظيفة لليد سوى الضرب ؟ أليس من قدارت الأيادي أن تصحب الإنسان إلى الهداية ؟ أوليس من قدارت الأيادي أن تحنو على من ضعف إيمانه لتُحبّب إليه جلال الإيمان وقوته ؟ لقد ذكر الموْلى سبحانه وتعالى فى قوله : ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْ لُولةً إِلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْ هَا كُ ل الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا  محْسُوار﴾ )سورة الإسارء(، مُشياًر إلى مسألة التقتير والتبذير.. دون ارتباط بالمدلول المادي لفعل واحد تقوم به الأيدي ؟، أو لم يوجه الموْلى سبحانه وتعالى نبيه الكريم عليه الصلاة  والسلام بقوله:
﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ ربّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِا لتِي هِيَ أحْسَنُ ﴾ ) سورة النحل( ؟ ، أوليس أيضاً هو القائل : ﴿ وَلوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ ) سورة آل عمارن(؟،  وهنا وصلت سيارة الإسعاف لتحمل الطالب المُصاب إلى المستشفى قبل أن أوجّه حديثي هذا إليهم ، وتبادلنا حقيقة الحادثة التي استند إليها الشباب ـ خطأً ـ ليقتصوا من زميلهم ، وحقيقتها التي تختلف عن روايتهم .. وكانت سبباً فى غزوة بني قينقاع فى السنة الثانية من الهجره !! ، وكم أسفت على هذا التسرع  والضّياع الذي أصاب شباباً ارئعاً .. أصيب فى وعيه وإيمانه الذي تلوث بهذا التطرف والذي لا علاقة له بالدّين القويم، لقد كان هذا ملمحاً من ملامح التشدّد الذي صنعته التّياارت التي هبّت مع رياح النفط ودولا ارته ، لتستعْبد أهالينا  وأبنائنا المصريين فى غفلة من الإدارة الحمقاء التى تُجهز     ـ وما ازلت ـ على أكثر صور الإسلام سماحة وتحضّاًر فى أرض الكنان.. بعد أن كانت مذاهب الأئمة العظام أنس بن مالك وأبي حنيفة النعمان .. وأبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي .. تتبادل الإعتدال في شئون عقائد وشارئع مصر الإسلامية .  
• • •
لقد قال الإمام الجليل أحمد بن حنبل ـ الذي تستمد من تفاسيره ورؤاه الحركة الوهابية ـ : ) إن الله يَفيضُ لل ناس على أرس كل مائة سنة من يُعلمهم السُّنن وينفي عن الرسول الكذب، واستمر في قوله : فنظرنا فإذا في أرس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وفى أرس المائتين الإمام الشافعي ( !! ، هذا الإمام العظيم الذي امتلك ثقافة موسوعية في شتى مجالات المعرفة .. كانت لمصر عنده مكانة خاصة ، وبتواضع الكبار قام بدارسة منهج فقيه مصر الكبير الليث بن سعد ، وتأثّر كثياًر بالفلسفة الإغريقية مثلما تأ ثّر بالعديد من ثقافات العالم القديم والوسيط فى مختلف أرجاء الأرض ، وكانت مصر بالنسبة للإمام الشافعي محارباً للمعرفة ، حتى وأنه طوال الخمس سنوات التي قضاها فى مصر .. أعاد كتابة وصياغة كل مؤلفاته التي استغرقت ثلاثين عاماً ، وازد عليها كتباً جديدة ، وأصبح بتفاسيره الحكيمة ) فى نظر جمهرة فقهاء الدين وعلمائه( .. العالم المتخصص في علوم القرآن والحديث .

. والفقيه الذي يعتمد على التفكير والتأمل والإستنباط العقلي لأحكام شرعية لا يوجد لها نصوص ، هذا الإمام الجليل الذي أضاء لمصر منهج الوسطية المُسْتنير.  
ولقد كان للإمام الشافعي بُعداً ثقافياً واجتماعياً يُعلي من قدر الدين والتديّن ، حيث امتلك موهبة الشعر كوسيط من الفنون الجميلة فى سبيل الدعوة والتربية .. وعلم الأخلاق:  
ال ناسُ بِال ناسِ مَا دَامَ الحَيَـاءُ بِهِمْ              وَال سعْـدُ لاَ شَـك  تَاارتٌ وهَ بـاتُ  وَأَفْضَ لُ ال ناسِ مَن بَيْنَ الوَرى رجُلٌ            تُقْضَى عَلى يَـدِهِ لل نـاسِ حَاجَـاتُ  لاَ تَمْنَعَ ن يَدَ الْمَعْـروفِ عَنْ أحَـدِ               مَـا دُمْتَ مُقْتَدِاًر .. فَال سعْدُ تَـاَارتُ  وَاشْكُر فضَائل صُنْعِ اِلِل إذْ جُعِل تْ       إِليْكَ .. لاَ لكَ عنْدَ ال نـاسِ حَـاجَاتُ  قَدْ مَاتَ قَوْمٌ .. وَما مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ          وعَاشَ قَوْمٌ .. وَهُمْ فِى ال ناسِ أمْوَاتُ  
وكان ذلك البعد الثقافي والاجتماعي الذى يمسّ فيه كل فضائل الإيمان مجالاً أرسى به قواعد ومواثيق فى شئون التربية والعلوم السلوكية:  
إِذَا أردت أنْ تَحْيَا سَليماً مِنَ الأذى            وَحظَك  مَوفُور وعِرضُكَ صَيِّنُ  لِسَـانكَ لا تذكُر بِه عَورةَ امر ئِ                  فَكُلكَ عوْارت وَ لل ناسِ ألسنُ  وَعَيْنُـكَ إِنْ  أبْـدَتْ إليْكَ مَعَـايبَا             فصنها وَقُلْ: يَا عَيْنُ لل ناسِ  أَعْيُنُ  وَعَاشِر بِمَعْروف وَسَامِحْ مَن اعْتَدَى          وَفَارق  وَلكِنْ بَا لتِى هِىَ أَحْسَنُ  
) رحمـك الله يا سيدي الإمـام ( .. لقد اختار مصر لكي يستجمع فيها قدارته وقيمته العلميّة الرفيعة في أصول الدين وأفْضال هدْيه .. واختار له سبحانه وتعالى مصر ليشرف ثارها بجسده الطاهر .. عن عمر يناهز الأربعة وخمسين عاماً ، بعدما أهدى لتاريخها الإسلامي فيضاً باقياً لم ولن يموت .. فأمانة الإمام المستنير بـاقية في ضمـائر المصريين رغم غيـوم التشدّد  والمُغالاة .. البعيدة عن المنطق والرشاد وعن منهج الله القويم سبحانه وتعالى.  
• • •
وخلال متابعتنا للتحوّل الديمقارطي الارئع الذي تشهده مصر هذه الأيام .. كبداية نتاج للثّورة العظيمة في 25 يناير ، نرصد أداءات القوى الوطنية التي قامت أو شاركت أو تَبِعت مسيرة الثورة في مخاضها المتعثر .. نحو تحقيق أهدافها النبيلة ، من خلال تلك المتابعات نرصد غياباً جليّاً للرشد وحسن النوايا ، وقد تكون النتيجة العاجلة والحاسمة في بداية الثورة .. عندما تم إسقاط قادة النظـام .. دون وجود قيـادة توافقية تحمل منهجاً لإدارة الثورة بعد قيامها ، وبرنامجاً يصنعه كل أطياف الشعب دون منافسة أو صارع ، ولكن وبكل أسف تباعدت قوى الثورة )من بدأها ـ ومن شارك فيها ـ ومن تَبِعها( تباعدت تلك القوى بعد ذلك المشهد الارئع .. والذي شهدته مصر خلال الثمانية عشر يوماً المجيدة ، حيث توحّد فيها الشعب المصري بكل أطيافه..بلا افتعال ولا تعصّب في سابقة غير متكررة في العصر الحديث،وكانت مشاهد الوطنية متمثّلة في تلك الملحمة .. فالشباب والرجال والنساء والفتيات مسلمون وأقباط من كل الشارئح الإجتماعية الشباب الذي تعلم أو ماازل في الجامعات المصرية والأجنبية .. وهذا شباب مُلتحي بجانب فتيات بدون حجاب ، والمنتقبات والمسيحيات من نساء وفتيات المصريين .. فوق رؤوس الجميع يتبادلون الأطعمة والأدوية وأداء الشعائر ، فيضان من الرقي والرحمة ، وازدهار غير مسبوق للوطنية الحقيقية .. والتي أوشكت أن تكون الشريعة الواحدة لكل المصريين ، هذا المشهد الحضاري الذي يفوق كل القيم .. تبخّر سريعاً من ذاكرة الملايين التي آمنت به لمدة ثمانية عشر يوماً فقط ، والتي أتاحت ـ بكل أسف ـ فرصة غير متوقّعة لأعداء الثورة وبقـايا النظام السـابق .. المستترة والظاهرة .. تُسارع باستثمار ثغارت عديدة تنتهك الشعور الوطني الذي أصبح   غائباً،إلا من خلال بعض مقالات وأحاديث عبر أجهزة الإعلام ، بينما السـاحة ممهّدة لقيـادة الأطيـاف التي ترتكز إلى الدين الإسلامي كمرجعية في دعواها ، ويتقبل غالبية الشعب المصري الطيب المفطور على التدين ـ طوق النجاة من خلال الدين الإسلامي ـ بعد سنوات من القمع والإفساد .. والذي أسفر عن تلك الأُُمية الكاملة لحوالي 40% من المصريين ، وأكثر من 35% تحت حد الفقر ، والملايين من قاطني المقابر و )1050( منطقة عشوائية .. يعيش فيها أهالينا الذين حُرموا من الإدارة الواجبة والخدمات ، فى وطن عزيز وكريم بخيارته وثرواته المستترة

رغم ما تم نهبه واغتصابه خلال عشارت السنين الماضية ، وكانت تلك الفرصة الذهبية لكي يستثمر بعض مرشحي تلك الأطياف لاختصار طريق المنافسة في انتخابات مجلس الشعب الحالية في ) الحلال والحارم ـ والمسلم والكافر ـ والحق والباطل ( ، واستسلم البسطاء عن قناعة فرضتها الأميّة بشكل عام والأميّة الدينية بشكل خاص ، ثم تباعات الفقر الذي يبرر كل شيء يتلقاه الفقير من حوائج الدنيا كرشوة غير مباشرة من بعض مرشحي هذه الأطياف كعطاء حسن النية أو حتى سئّ النية ، إلى جانب الغياب الغير مقبول للقوى الوطنية والمُترفّعة أحياناً والعاجزة أحياناً أخرى عن التأثير على الشارع المصري ، حتى أف رز هذا الواقع المتهرئ توجهاً غير مُعبر عن قيمة المشهد العبقري في الثمانية عشر يوماً لعُرس الديمقارطية في أرجاء مصر .. والذي ـ للأسف ـ لم يدم ، وإذا تجاوزنا حدود التمنّيات المفقودة وارتضينا بثقافة الديمقارطية ـ حتى لو جاءت نتائجها ـ مشوبة ببعض الأخطاء ، فإن التياارت التي احتكرت لنفسها التبعية الإسلامية وقد أوشكت أن تتبوأ مكانة في قيادة هذا الوطن .. فتلك مُجازفة كبيرة أدعو الله أن يوفقوا حيالها .. وأن يتأمّلوا منهج الله القويم سبحانه وتعالى ، وسنّة رسوله المستنير عليه الصلاة والسلام ، وأن لا يتناسوا قوله :   ) إنما بُعثتُ  لأُُتمم مكـارم الأخلاق ( ، وما أكثر المكـارم التي شهدتها ملحمة الثمانية عشر يوماً في أرجاء مصر .. وكان الكثير منهم شركاء وتابعين لها.  
فلنتجاوز كل ما حدث .. ولنتعلم من أخطائنا قبل علومنا .. ومرة أخرى نتأمل منتبهين وخاشعين لقول الإمام المُستنير أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي :  
حَسْبي بِعِلْمى إِنْ نَفَـعْ                مَـا الذّلّ  إِلا  فِى ال طمَـعْ  
مَـنْ ارقَبَ الله رجَـعْ                   عَنْ سُوءِ مَا قَـد صـنَعْ  
مَا طَار طير وارتفـع            إِلا  كمَـا طار وَقَـعْ   ..

Related posts
معلومات عامةمقالات

Book Review: A Good Girl’s Guide to Murder by Holly Jackson

أخبارأخبار اسكندريةأخبار الأكاديميةموضوع الإسبوع

Rally Startup Festival

تاريخ فنفنونمقالات

مسجد المرسي ابو العباس

معلومات عامةمقالات

Mastering Professional Legal Writing: Crafting Clear and Effective Laws and Documents